ولما كان عاليًا على البدن جَعَل فيه الحواسَّ الخمسَ وآلات الإدراك كلَّها من السَّمع والبصر والشَّمِّ والذَّوق واللَّمس.
وجَعَل حاسَّة البصر في مُقَدَّمه؛ ليكون كالطَّليعة والحَرَس والكاشف للبدن، وركَّب كلَّ عينٍ من سبع طبقات، لكلِّ طبقةٍ وصفٌ مخصوص، ومقدارٌ مخصوص، ومنفعةٌ مخصوصة، لو فُقِدَت طبقةٌ من تلك السَّبع الطِّباق (?) أو زالت عن هيئتها وموضعها (?) لتعطَّلت العينُ عن الإبصار.
ثمَّ أركزَ (?) سبحانه داخل تلك الطَّبقات السَّبع خلقًا عجيبًا، وهو إنسانُ العَيْن، بقَدر العَدَسَة، يبصرُ به ما بين المشرق والمغرب والأرض والسماء، وجَعَله من العين بمنزلة القلب من الأعضاء، فهو مَلِكُها، وتلك الطَّبقاتُ والأجفانُ والأهدابُ خَدَمٌ له وحُجَّابٌ وحُرَّاس، فتبارك الله أحسنُ الخالقين.
فانظر كيف حسَّن شكلَ العينين وهيأتهما ومقدارهما، ثمَّ جمَّلهما بالأجفان غطاءً لهما وسترًا وحفظًا وزينة؛ فهما يلتقيان (?) عن العين الأذى والقذى والغُبار، ويُكِنَّانهما (?) من البارد المؤذي (?) والحارِّ المؤذي، ثمَّ