ثمَّ قَلَبَ تلك النطفةَ البيضاء المشرقة علقةً حمراءَ تَضرِبُ إلى سوادٍ، ثمَّ جعلها مضغةَ لحمٍ مخالِفةً للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها، ثمَّ جعلها عظامًا مجرَّدةً لا كسوةَ عليها، مباينةً للمضغة في شكلها وهيئتها وقدْرِها وملمسها ولونها.
وانظر كيف قسَّم تلك الأجزاء (?) المتساوية المتشابهة إلى الأعصاب والعظام والعُروق والأوتار واليابس والليِّن، وبَيْن ذلك، ثمَّ كيف رَبَط بعضها ببعضٍ أقوى رباطٍ وأشدَّه وأبعدَه من الانحلال (?).
وكيف كساها لحمًا ركَّبه عليها، وجعله وعاءً لها وغشاءً وحافظًا، وجعلها حاملةً له مقيمةً له؛ فاللحمُ قائمٌ بها وهي محفوظةٌ به.
وكيف صوَّرها فأحسنَ صُوَرها، وشقَّ لها السَّمعَ والبصرَ والفمَ والأنفَ وسائر المنافذ، ومَدَّ اليدين والرِّجلين وبسطهما، وقسَّم رؤوسَهما بالأصابع، ثمَّ قسَّم الأصابعَ بالأنامل، وركَّب الأعضاءَ الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطِّحال والرِّئة والرَّحِم والمَثانة والأمعاء، كلُّ واحدٍ منها له قَدرٌ يخصُّه ومنفعةٌ تخصُّه.
ثمَّ انظر الحكمةَ البالغة في تركيب العظام قِوامًا للبدن وعِمادًا له، وكيف قدَّرها ربُّهُا وخالقُها بمقاديرَ مختلفةٍ وأشكالٍ مختلفة؛ فمنها الصَّغيرُ والكبير، والطَّويلُ والقصير، والمُنْحَني والمستدير، والدَّقيقُ والعريض، والمُصمَتُ والمُجَوَّف، وكيف ركَّب بعضها في بعض؛ فمنها ما تركيبُه