يتخالجُ القلبَ فيه شكٌّ لا يقعُ التهاونُ بها وعدمُ الرغبة فيها.
ولهذا لو قُدِّمَ لرجلٍ طعامٌ في غاية الطِّيبة (?) واللذَّة، وهو شديدُ الحاجة، ثمَّ قيل له: إنه مسموم؛ فإنه لا يُقْدِمُ عليه؛ لعلمه بأنَّ سوء ما تجني عاقبةُ تناوله (?) تُربِي في المضرة على لذَّة أكله (?)، فما بالُ الإيمان بالآخرة لا يكونُ في قلبه بهذه المنزلة؟ ! ما ذاك إلا لضعف شجرة العلم والإيمان بها في القلب، وعدم استقرارها فيه.
وكذلك إذا كان سائرًا في طريق، فقيل له: إنَّ بها قُطَّاعًا ولصوصًا يقتلون من وجدوه ويأخذون متاعَه؛ فإنه لا يسلكها إلا على أحد وجهين: إمَّا أن لا يصدِّق المُخْبِر، وإمَّا أن يَثِقَ من نفسه بغلبتهم وقهرهم والانتصار عليهم؛ وإلا فمع تصديقه للمُخْبِر تصديقًا لا يتمارى فيه، وعلمه مِنْ نفسه بضعفه وعجزه عن مقاومتهم، فإنه لا يسلكها.
ولو حصلَ له هذان العِلْمان فيما يرتكبُه من إيثار الدنيا وشهواتها لم يُقْدِم على ذلك؛ فعُلِمَ أنَّ إيثاره للعاجلة (?) وتركَ استعداده للآخرة لا يكون قطُّ مع كمال تصديقه وإيمانه أبدًا.
الحالة الثانية: أن يتيقَّنَ ويجزمَ جزمًا لا شكَّ فيه بأنَّ له دارًا غير هذه الدار، ومعادًا له خُلِق، وأنَّ هذه الدَّار طريقٌ إلى ذلك المعاد ومنزلٌ من منازل السائرين إليه، ويعلمُ مع ذلك أنها باقية، ونعيمَها وعذابها لا يزول، ولا نسبة