لأنه سبب لحصولها، والعبدُ إذا باشر السببَ الذي يتعلَّقُ به الأمرُ والنهيُ ترتَّب (?) عليه مسبَّبه وإن كان خارجًا عن سعيه وكسبه؛ فلما كان هو السببَ في حصول هذا الولد الصالح والصدقة الجارية والعلم النافع جرى عليه ثوابُه وأجرُه لتسبُّبه فيه؛ فالعبدُ إنما يثابُ على ما باشَره أو على ما تولَّد منه (?).

وقد ذكر تعالى هذين الأصلَيْن في كتابه في سورة براءة، فقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}؛ فهذه الأمورُ كلُّها متولِّداتٌ عن أفعالهم، غير مقدورةٍ لهم، وإنما المقدورُ لهم أسبابُها التي باشروها.

ثمَّ قال: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ فالنفقةُ وقَطْعُ الوادي أفعالٌ مقدورةٌ لهم.

وقال في القسم الأول: {كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}؛ لأن المتولِّدَ حاصلٌ عن شيئين: أفعالهم وغيرها، فليست أفعالهُم سببًا مستقلًّا في حصول المتولِّد، بل هي جزءٌ من أجزاء السبب، فيُكتَبُ لهم من ذلك ما كان مقابلًا لأفعالهم.

وأيضًا؛ فإنَّ الظَّمأ والنَّصب وغَيْظَ العدوِّ ليس من أفعالهم، فلا يُكتَبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015