وفي الترمذي أيضًا نحوه من حديث أبي هريرة (?).
والمقصودُ أنَّ الذي يهجُم بالقلب على حقيقة الإيمان، ويليِّنُ له ما يستوعرُه غيرُه، ويُؤنِسُه بما يستوحشُ منه سواه: العلمُ التام، والحبُّ الخالص. والحبُّ تبعٌ للعلم، يقوى بقوَّته، ويضعفُ بضعفه، والمحبُّ لا يستوعرُ طريقًا توصلُه إلى محبوبه، ولا يستوحشُ فيها.
* وقولُه: "صحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلَّقةٌ بالملأ الأعلى"، وفي رواية: "بالمحلِّ الأعلى"؛ الروحُ في هذا الجسد بدارِ غُربة، ولها وطنٌ غيره فلا تستقرُّ إلا في وطنها، وهي جوهرٌ عُلْوِيٌّ مخلوقٌ من مادةٍ عُلْوِيَّة، وقد اضطرَّت إلى مساكنة هذا البدن الكثيف، فهي دائمًا تطلبُ وطنها في المحلِّ الأعلى، وتحنُّ إليه حنينَ الطير إلى أوكارها.
وكلُّ روحٍ ففيها ذلك، ولكن لفرط اشتغالها بالبدن وبالمحسوسات المألوفة أخلدت إلى الأرض، ونسيت محلَّها (?) ووطنها الذي لا راحة لها في غيره؛ فإنه لا راحة للمؤمن دون لقاء ربِّه، والدنيا سجنُه حقًّا، فلهذا تجدُ المؤمنَ بدنُه في الدنيا وروحُه في المحلِّ الأعلى.
وفي الحديث المرفوع: "إذا نام العبدُ وهو ساجدٌ باهى اللهُ به الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي، بدنُه في الأرض وروحُه عندي" رواه تمَّامٌ (?)