ليستوفي بذلك حقًّا له يحتاجُ فيه إلى التعريف بحاله، أو ليقطعَ عنه أطماعَ السِّفلَة فيه، أو عند خِطْبته إلى من لا يعرفُ حالَه.
والأحسنُ في هذا أن يوكِّل من يُعَرِّفُ به وبحاله؛ فإنَّ لسانَ ثناء المرء على نفسه قصير (?)، وهو في الغالب مذموم؛ لما يقترنُ به من الفخر والتعاظُم.
ثمَّ ذكرَ أصنافَ حملة العلم الذين لا يصلحونَ لحمله، وهم أربعة:
أحدُهم: من ليس هو بمأمونٍ عليه، وهو الَّذي أوتي ذكاءً وحفظًا، ولكن مع ذلك لم يؤتَ زكاءً؛ فهو يتخذُ العلمَ الَّذي هو آلةُ الدِّين آلةَ الدنيا، يَسْتَجْلِبُها به، ويتوسَّلُ بالعلم إليها، ويجعلُ البضاعةَ التي هي مُتَّجَرُ الآخرة مُتَّجَرَ الدنيا، وهذا غيرُ أمينٍ على ما حملَه من العلم، ولا يجعلُه اللهُ إمامًا فيه قطُّ؛ فإنَّ الأمينَ هو الَّذي لا غرض له ولا إرادة لنفسه إلا اتباع الحقِّ وموافقته، فلا يدعو إلى قيام رياسته ولا دنياه.
وهذا الَّذي قد اتَّخذ بضاعةَ الآخرة ومُتَّجَرها مُتَّجَرًا للدنيا قد خان اللهَ وخان عبادَه وخان دينَه، فلهذا كان (?) غير مأمونٍ عليه.
* وقولُه: "يَسْتَظْهِرُ بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده"؛ هذه صفةُ هذا الخائن؛ إذا أنعمَ اللهُ عليه استظهر بتلك النعمة على الناس، وإذا تعلَّم علمًا استظهر به على كتاب الله.
ومعنى استظهاره بالعلم على كتاب الله: تحكيمُه عليه وتقديمُه وإقامتُه