مثالُه (?): لذَّةُ الأكل؛ فإنَّ العاقلَ لو نظر إلى طعامه حال مخالطته ريقَه وعَجْنِه به لنفوت نفسُه منه، ولو سقطت تلك اللقمةُ مِنْ فِيه لنفَر طبعُه من إعادتها إليه.

ثمَّ إنَّ لذَّته به إنما تحصُل في مجرى نحو الأربع الأصابع (?)، فإذا فُصِل عن ذلك المجرى زال تلذُّذُه به، فإذا استقرَّ في مَعِدته وخالطه الشرابُ وما في المعدة من الأجزاء الفَضْلِيَّة، فإنه حينئذٍ يصيرُ في غاية الخِسَّة (?)، فإن زاد على مقدار الحاجة أورثَ الأدواءَ المختلفة على تنوُّعها، ولولا أنَّ بقاءه موقوفٌ على تناول (?) الغذاء لكان تركُه - والحالةُ هذه - أليقَ به، كما قال بعضهم:

لولا قضاءٌ جَرى نزَّهتُ أُنمُلتي ... عن أن تُلِمَّ بمأكولٍ ومشروبِ (?)

وأمَّا لذَّةُ الوِقاع، فقَدْرُها أبينُ من أن تُذْكَر آفاتُه، ويدلُّ عليه أنَّ أعضاء هذه اللذَّة هي عورةُ الإنسان التي يستحيي من رؤيتها وذِكْرها، وسترُها أمرٌ فطر الله عليه عبادَه، ولا تتمُ لذَّةُ المواقَعة إلا بالاطلاع عليها وإبرازها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015