فمع صاحب العلم من أسباب اللذَّة ما هو أعظمُ وأقوى وأدومُ من لذَّة المغني، وتعبُه في تحصيله وجمعه وضبطه أقلُّ من تعب جامع المال بجمعه (?)، وألمُه دون ألمِه؛ كما قال تعالى للمؤمنين - تسلية لهم بما ينالهُم من الألم والتعب في طاعته ومرضاته-: {وَلَا تَهِنُوا في ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].
الحادي والثلاثون: أنَّ اللذَّة الحاصلة من المال والغِنى إنما هي حالَ تجدّده فقط، وأما حالَ دوامه: فإما أن تذهبَ تلك اللذَّة، وإمَّا أن تنقُص.
ويدلّ عليه أنَّ الطَّبعَ يبقى طالبًا لغِنى آخر، حريصًا عليه، فهو يحاولُ تحصيلَ الزيادة دائمًا، فهو في فقرٍ مستمرٍّ غير مُنْقَضٍ (?)، ولو ملكَ خزائنَ الأرض ففقرُه وطلبُه وحرصُه باقٍ عليه؛ فإنه أحدُ المنهومَيْن اللذَين لا يشبعان (?)، فهو لا يفارقُه ألمُ الحرص والطَّلب.
وهذا بخلاف غنيِّ العلم والإيمان؛ فإنَّ لذَّتَه في حال بقائه مثلُها في حال تجدّده، بل أزْيَد، وصاحبُها وإن كان لا يزالُ طالبًا للمزيد حريصًا عليه، فطلبُه وحرصُه مُسْتَصْحِبٌ للذَّة الحاصل، ولذَّة المرجوِّ المطلوب، ولذَّة