يفرِّقون به بين الحقِّ والباطل؛ كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28]، وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، وقوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ} [المائدة: 16]، وقوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]. فإذا عَدِمَ القلبُ هذا النورَ صار بمنزلة الحيران الَّذي لا يدري أين يذهب، فهو لحيرته وجهله بطريق مقصوده يَؤُمُّ كلَّ صوتٍ يسمعُه.
= ولم يَسْكُنْ قلوبَهم (?) من العلم ما تمتنعُ به من دعاة الباطل؛ فإنَّ الحقَّ متى استقرَّ في القلب قَوِيَ به وامتنعَ مما يضرُّه ويُهْلِكه، ولهذا سمَّى اللهُ الحجةَ العلميَّة: سلطانًا، وقد تقدَّم ذلك.
فالعبدُ يُؤتى من ظُلمة بصيرته ومن ضَعْف قلبه، فإذا استقرَّ فيه العلمُ النافعُ استنارت بصيرتُه وقَوِيَ قلبُه.
وهذان الأصلان هما قُطبا السعادة، أعني: العلمَ، والقوَّة.
وقد وصفَ بهما سبحانه المعلِّمَ الأولَ جبريلَ صلواتُ الله وسلامُه عليه، فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 4 - 5]، وقال في سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}، فوصفَه