ولا شيء أعظمُ فسادًا لمحلِّ العلم من صَيْرورته بحيث يَضِلُّ بما يُهتدى به، فنسبتُه إلى الهدى والعلم نسبةُ الفَمِ الذي قد استحكَمت فيه المرارةُ إلى الماء العَذْب؛ كما قيل:
ومن يكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يَجِدْ مُرًّا به الماءَ الزُّلالا (?)
فإذا فسد القلبُ فسد إدراكُه، وإذا فسد الفمُ فسد إدراكُه، وكذلك إذا فسدت العَيْن.
وأهلُ المعرفة من الصَّيارفة يقولون: "إنَّ من خانَ في نَقْده نَسِيَ النَّقْدَ وسُلِبَه، فاشتبه عليه الخالصُ بالزَّغَل" (?).
ومن كلام بعض السَّلف: "العلمُ يَهْتِفُ بالعمل، فإن أجابه حَلَّ وإلا ارتحل" (?).
وقال بعضُ السلف: "كنَّا نستعينُ على حفظ العلم بالعمل به" (?).
فتركُ العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذهابه ونسيانه.
وأيضا؛ فإنَّ العلمَ يرادُ للعمل؛ فإنه بمنزلة الدليل للسَّائر، فإذا لم يَسِرْ