فلو صنع بباقي الموضوعات صنيعه هذا لأمكنه أن يأتي على القسم الثاني، وهو الكلام في إرادة الله ومحبته، دون أن يطغى طول الكتاب فيصرفه عن إكماله، وكان سيتمُّ بذلك مستوفيًا لغرضه، محققًا لعنوانه.

وقد حمل هذا الاستطرادُ المصنفَ على أن يختم كتابه بطريقةٍ غير مألوفةٍ في كتبه، إذ جعلها أشبه بالفهرست لمضامينه، فقال: "وليكن هذا آخرَ الكتاب، وقد جُلِبَت إليك فيه نفائس في مثلها يتنافسُ المتنافسون، وجُلِيَت عليك فيه عرائس إلى مثلهنَّ بادَر الخاطبون.

فإن شئتَ اقتبستَ منه معرفةَ العلم وفضله، وشدَّة الحاجة إليه، وشرفَه وشرفَ أهله، وعِظَم موقعه في الدارين.

وإن شئتَ اقتبستَ منه معرفةَ إثبات الصانع بطُرقٍ واضحاتٍ جليَّات تَلِجُ القلوبَ بغير استئذان، ومعرفةَ حكمته في خلقه وأمره.

وإن شئتَ اقتبستَ منه معرفةَ قَدْر الشريعة، وشدَّةَ الحاجة إليها، ومعرفةَ جلالتها وحكمتها.

وإن شئتَ اقتبستَ منه معرفة النبوَّة وشدَّة الحاجة إليها، بل ضرورة الوجود إليها، وأنه يستحيلُ من أحكم الحاكمين أن يُخْلِيَ العالم عنها.

وإن شئتَ اقتبستَ منه معرفةَ ما فَطر اللهُ عليه العقولَ من تحسين الحسن وتقبيح القبيح، وأنَّ ذلك أمرٌ عقليٌّ فطري، بالأدلة والبراهين التي اشتَمل عليها هذا الكتاب ولا توجدُ في غيره.

وإن شئتَ اقتبستَ منه معرفة الردِّ على المنجِّمين القائلين بالأحكام بأبلغ طرق الردّ عليهم من نفس صناعتهم وعلمهم، وإلزامهم بالإلزامات المُفْحِمة التي لا جوابَ لهم عنها، وإبداء تناقضهم في صناعتهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015