وكان القومُ على ذلك إلى أن جاء الله بالإسلام ومحمَّد رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ففرَّق بين الهدى والضلال، والغيِّ والرشاد، وبين الحسَن والقبيح، والمحبوب والمكروه، والنافع والضار، والحقِّ والباطل، فكره الطِّيَرةَ وأبطَلها، واستحبَّ الفأل وحَمِدَه، فقال: "لا طِيَرة، وخيرُها الفأل"، قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمةُ الصالحةُ يسمعُها أحدُكم".
وقال عبد الله بن عباس: "لا طِيَرة، ولكنَّه فأل، والفألُ المُرْسَل: يسار، وسالم، ونحوه من الاسم، يَعْرِضُ لك على غير ميعاد" (?).
وسئل بعضُ العلماء عن الفأل؟ فقال: أن تسمعَ وأنت قد أضللتَ بعيرًا أو شيئًا: يا واجِد، أو وأنت خائف: يا سالم (?).
وقال الأصمعي: سألتُ ابن عونٍ عن الفأل؟ فقال: أن يكون مريضًا فيسمع: يا سالم (?).
وأخبِرك عن نفسي بقضيةٍ من ذلك، وهي أني أضللتُ بعض الأولاد يوم التَّروية بمكَّة وكان طفلًا، فجَهِدْتُ في طلبه والنِّداء عليه في سائر الرَّكْب إلى وقت يوم الثامن، فلم أقْدِر له على خبر، فأيستُ منه، فقال لي إنسان: إن هذا عَجْز، اركب وادخُل الآن إلى مكَّة فتطلَّبه فيها، فركبتُ فرسًا، فما هو إلا أن استقبلتُ جماعةً يتحدَّثون في سَواد الليل في الطريق وأحدُهم يقول: