وبالجملة؛ فقولُه: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} وظاهرٌ في الجمع، فلا يسوغُ حملُه على الاثنين في قوله: {اهْبِطَا}.
قالوا: وأمَّا قولكم: إنه كيف وسوسَ لهما بعد إهباطه من الجنة؟ ومحالٌ أن يصعدَ إليها بعد قوله تعالى له: {فَاهْبِطْ مِنْهَا}.
فجوابُه من وجوه (?):
أحدها: أنه أُخرِجَ منها ومُنِعَ من دخولها على وجه السُّكنى والكرامة واتخاذها دارًا، فمن أين لكم أنه مُنِعَ من دخولها على وجه الابتلاء والامتحان لآدمَ وزوجِه؟ ! ويكونُ هذا دخولًا عارضًا كما يدخل الشُّرَطُ دارَ من أُمِروا بابتلائه ومحنته، وإن لم يكونوا أهلًا لسكنى تلك الدار.
الثاني: أنه كان يدنو من السماء فيكلِّمُهما ولا يدخلُ عليهما دارَهما.
الثالث: أنه لعله قام على الباب فناداهما وقاسَمَهما ولم يَلِج الجنة.
الرابع: أنه قد رُوِي أنه أراد الدخولَ عليهما، فمنعته الخَزَنة، فدخل في فم الحيَّة حتى دخلت به عليهما، ولا يشعرُ الخزنةُ بذلك (?).
قالوا: ومما يدلُّ على أنها جنةُ الخلد بعينها أنها جاءت مُعَرَّفةً بلام التعريف في جميع المواضع، كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، ولا جنةَ يعهدُها المخاطَبون ويعرفونها إلا جنةَ الخُلدِ التي وَعَدَ الرحمنُ عبادَه