أسبابه، وهَدْم بيوته، ومحاربة أهله، فكيف يُظَنُّ بإمام الحنفاء، وشيخ الأنبياء، وخليل ربِّ الأرض والسماء، أنه كان يتعاطى علمَ النجوم، ويأخذ منه أحكامَ الحوادث؟ ! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم.
وإنما كانت النظرةُ التي نَظَرها في النجوم (?) مِن معاريض الأفعال، كما كان قولُه: {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقولُه: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقولُه عن امرأته سارة: "هذه أختي" مِن معاريض المقال، ليتوصَّل بها إلى غرَضه مِن كَسْر الأصنام، كما توصَّل بتعريضه بقوله: "هذه أختي" إلى خَلاصِها من يد الفاجر (?).
ولما غَلُظ فهمُ هذا عن كثيرٍ من الناس، وكَثُفَت طباعُهم عن إدراكه، ظنُّوا أنَّ نظره في النجوم ليستنبطَ منها علمَ الأحكام (?)، وعَلِمَ أنَّ نجمَه وطالعَه يقضي عليه بالسَّقم، وحاشَ لله أن يُظَنَّ ذلك بخليله - صلى الله عليه وسلم - أو بأحدٍ من أتباعه.
وهذا مِن جنس معاريض يوسف الصِّديِّق - صلى الله عليه وسلم - حين تفتيش أوعية أخيه عن الصَّاع، فإنَّ المفتِّش بدأ بأوعيهتم مع علمه أنه ليس فيها، وأخَّر وعاء أخيه مع علمه أنه فيها، تعريضًا بأنه لا يَعْرِفُ في أيِّ وعاءٍ هي، ونفيًا للتُّهمة عنه بأنه لو كان عالمًا في أيِّ الأوعية هي لبادَر إليها، ولم يكلِّف نفسَه تعبَ التفتيش لغيرها.