غائب عنَّا وحاضر، مما فيه التنبيهُ على كمال ربوبيته وعزَّته وحكمته وقدرته وتدبيره وتنوُّع مخلوقاته الدَّالَّة عليه، والمرشدة إليه، بما تضمَّنته من عجائب الصَّنعة وبديع الخِلْقَة، وتشهدُ لفاطرها وبارئها بأنه الواحدُ الأحدُ الذي لا شريكَ له، وأنه الكاملُ في علمه وقدرته ومشيئته ووحدانيته وحكمته وربوبيته ومُلكه، وأنها مسخَّرةٌ مذللةٌ منقادةٌ لأمره مطيعةٌ لمراده منها.
ففي الإقسام بها تعظيمٌ لخالقها تبارك وتعالى، وتنزيهٌ له عمَّا نسبه إليه أعداؤه الجاحدون المعطِّلون لربوبيته وقدرته ومشيئته ووحدانيته، وأنَّ مَن هذه عبيدُه (?) ومماليكُه وخلقُه وصنعُه وإبداعُه فكيف تُجْحَدُ ربوبيتُه وإلهيتُه؟ ! وكيف تُنْكَرُ صفاتُ كماله (?) ونعوتُ جلاله؟ ! وكيف يسوغُ لذي حِسٍّ سليبم وفطرةٍ مستقيمةٍ تعطيلُها عن صانعها، أو تعطيلُ صانعها عن نعوت جلاله وأوصاف كماله وعن أفعاله؟ !
فإقسامُه بها أكبرُ دليلٍ على فساد قول نوعي المعطِّلة والمشركين الذين جعلوها آلهة تُعْبَد، مع دلائل الحُدوث والعبوديَّة والتَّسخير والافتقار عليها، وأنها أدلةٌ على بارئها (?) وفاطرها وعلى وحدانيته، وأنه لا تنبغي الربوبيةُ والإلهيةُ لها بوجهٍ ما، بل لا تنبغي إلا لمن فطرها وبرأها، كما قال القائل:
تأمَّلْ سطورَ الكائناتِ فإنها ... من الملأ الأعلى (?) إليك رسائلُ
وقد خُطَّ فيها لو تأملتَ خَطَّها ... ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ