ثمَّ يقالُ لهذه الطَّائفة: بماذا عرفتم أنَّ الموجودات في العالم السُّفليِّ كلها مركَّبةٌ على تأثير الكواكب والرُّوحانيات؟ ! وهل هذا إلا كذبٌ بَحْتٌ (?) وبَهْت؟ !
فهَبْ أنَّ بعض الآثار المشاهَدة مُسَبَّبٌ عن تأثير بعض الكواكب والعُلْويَّات، كما يُشاهَدُ مِن تأثير الشَّمس والقمر في الحيوان والنبات وغيرهما، فمِن أين لكم أنَّ جميعَ أجزاء العالم السُّفليِّ صادرٌ عن تأثير الكواكب والروحانيات؟ ! وهل هذا إلا كذبٌ وجهل؟ !
فهذا العالَم فيه من التغيُّر والاستحالة والكَوْن والفساد ما لا يمكنُ إضافتُه إلى كوكب، ولا يُتَصَوَّرُ وقوعُه إلا بمشيئةِ فاعلٍ مختارٍ قادرٍ قاهرٍ مؤثِّرٍ في الكواكبِ والرُّوحانيات، مسخِّرٍ لها بقدرته، مدبِّرٍ لها (?) بمشيئته، كما تشهدُ عليها أحوالهُا وهيا تها وتسخيرُها وانقيادُها أنها مدبَّرةٌ مربوبةٌ مسخَّرةٌ بأمرِ قاهرٍ قادر، يصرِّفها كيف يشاء، ويدبِّرها كما يريد، ليس لها من الأمر شيء، ولا يمكنُ أن تتصرَّف بأنفسها بذَرَّة، فضلًا أن تعطي العالَمَ وجودَه، فلو أرادت حركةً غيرَ حركتها أو مكانًا غيرَ مكانها أو هيئةً أو حالًا غيرَ ما هي عليه لم تجد إلى ذلك سبيلًا.
فكيف تكونُ ربًّا لكلِّ ما تحتها مع كونها عاجزةً مُصرَّفةً مقهورةً مسخَّرة، آثارُ الفقر مسطورةٌ في صفحاتها (?)، وآياتُ العبوديَّة والتَّسخير باديةٌ عليها، فبأيِّ اعتبارٍ نظَر إليها العاقلُ رأى آثارَ الفقر وشواهدَ الحدوث وأدلَّة التَّسخير