وأحسنُ من هذا أن يقال: الباءُ المقتضيةُ للدخول غيرُ الباء التي نُفِيَ معها الدخول؛ فالمقتضيةُ هي باءُ السببية الدالَّة على أن الأعمال سببٌ للدخول مقتضيةٌ له كاقتضاء سائر الأسباب لمُسَبَّباتها (?)، والباءُ التي نُفِيَ بها الدخولُ هي باءُ المُعاوَضة والمقابلة التي في نحو قولهم: اشتريتُ هذا بهذا (?).
فأخبَر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ دخولَ الجنة ليس في مقابل عمل أحد، وأنه لولا تغمُّد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة، فليس عملُ العبد- وإن تناهى- مُوجِبًا بمجرَّده لدخول الجنة، ولا عِوَضًا لها، فإنَّ أعماله وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبُّه الله ويرضاه فهي لا تقاوِمُ نعمةَ الله التي أنعَم بها عليه في دار الدنيا، ولا تُعادِلها، بل لو حاسَبه لوقعَت أعمالُه كلُّها في مقابلة اليسير من نِعَمه، وتبقى بقيةُ النعم مقتضيةً لشكرها، فلو عذَّبه في هذه الحالة لعذَّبه وهو غيرُ ظالمٍ له، ولو رحمَه لكانت رحمتُه خيرًا له من عمله؛ كما في "السنن" من حديث زيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وغيرهما مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّ الله لو عذَّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضه لعذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحمَهم لكانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالهم" (?).