وهل يستوي في عقلٍ أو دينٍ أو فطرةٍ القتلُ ظلمًا وعدوانًا بغير حقٍّ والقتلُ قِصاصًا وجزاءً بالحقِّ؟ !
ونظيرُ هذه التَّسوية (?): تسويةُ المشركين بين الرِّبا والبيع؛ لاستوائهما في صورة العقد. ومعلومٌ أنَّ استواء الفعلَين في الصُّورة لا يُوجِبُ استواءهما في الحقيقة، ومدَّعي ذلك في غاية المكابرة.
وهل يدلُّ استواءُ السُّجود لله والسُّجود للصَّنم في الصُّورة الظَّاهرة - وهو وضعُ الجبهة على الأرض- على أنهما سواءٌ في الحقيقة، حتى يتحيَّر العقلُ بينهما، ويتعارضان فيه؟ !
ويكفي في فساد هذا إطباقُ العقلاء قاطبةً على قُبح القتل الذي هو ظلمٌ وبغيٌ وعُدوان، وحُسْن القتل الذي هو جزاءٌ وقِصاصٌ ورَدعٌ وزَجْر، والفرق بين هذين مثلُ الفرق بين الزِّنا والنكاح، بل أعظمُ وأظهَر، بل الفرقُ بينهما من جنس الفرق بين الإصلاح في الأرض والإفساد فيها، فما تَعارض في عقلٍ صحيحٍ قطُّ هذان الأمران حتى يتحيَّر بينهما أيهما يُؤثِرُه ويختارُه.
وقولكم: "إنه إتلافٌ بإزاء إتلاف، وعدوانٌ في مقابلة عدوان"، فكذلك هو، لكن إتلافٌ حسَن، هو مصلحةٌ وحكمةٌ وصلاحٌ للعالم، في مقابلة إتلافٍ هو فسادٌ وسفَهٌ وخرابٌ للعالم، فأنَّى يستويان؟ ! أم كيف يعتدلان، حتى يتحيَّر العقلُ بين الإتلاف الحسَن وتَرْكِه؟ !
وقولكم: "لا يحيا الأوَّلُ بقتل الثَّاني".