* فصدَّر الآيةَ بقوله: {وَلَكُمْ} المُؤْذِن بأنَّ منفعة القِصاص مختصَّةٌ بكم عائدةٌ إليكم، فشرعُه إنما كان رحمةً بكم وإحسانًا إليكم، فمنفعتُه ومصلحتُه لكم، لا لمن لا يبلغُ العبادُ ضرَّه ونفعَه.

* ثمَّ عقَّبه بقوله: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} إيذانًا بأنَّ الحياة الحاصلة إنما هي في العدل، وهو أن يُفْعَل به كما فَعَل.

والقصاصُ في اللغة: المماثلَة، وحقيقتُه راجعةٌ إلى الاتِّباع (?). ومنه قوله: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي: اتَّبعي أثرَه. ومنه قوله: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] أي: يقُصَّان الأثرَ ويتَّبعانه. ومنه: قَصُّ الحديث واقتصاصُه؛ لأنه يَتْبَعُ بعضُه بعضًا في الذِّكر. فسمِّي جزاءُ الجاني قِصاصًا لأنه يُتَّبعُ أثرُه فيُفْعَلُ به كما فَعَل.

وهذا أحدُ ما يُسْتَدلُّ به على أن يُفْعَل بالجاني كما فَعَل، فيُقْتَل بمثل ما قَتَل به؛ لتحقيق معنى القِصاص.

وقد ذكرنا أدلَّة المسألة من الطَّرفين، وترجيحَ القول الرَّاجح بالنَّصِّ والأثر والمعقول في كتاب "تهذيب السُّنن" (?).

* ونكَّر سبحانه الحياةَ تعظيمًا لها وتفخيمًا لشأنها، وليس المرادُ حياةً ما، بل المعنى أنَّ في القِصاص حصولَ هذه الحقيقة المحبوبة للنُّفوس، المُؤْثَرة عندها، المُسْتَحْسَنة في كلِّ عقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015