وقد قام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى تفطَّرت قدماه، فقيل له: تفعلُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ ! قال: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ " (?)، واقتَصر - صلى الله عليه وسلم - من جوابهم على ما تُدْرِكه عقولهم، وتنالُه أفهامهم، وإلا فمن المعلوم أنَّ باعثَه على ذلك الشُّكر أمرٌ يجِلُّ عن الوصف، ولا تنالُه العبارةُ ولا الأذهان.

فأين هذا الشُّهودُ مِنْ شُهود طائفة القَدَريَّة والجبريَّة؟ !

فليعرِض العاقلُ اللبيبُ ذَينِك المشهدَين على هذا المشهد، ولينظُر ما بين الأمرين من التفاوت.

فالله سبحانه يُعْبَدُ ويُحْمَدُ ويُحَبُّ لأنه أهلٌ لذلك ومُستَحِقُّه، بل ما يستحقُّه سبحانه من عباده أمرٌ لا تنالُه قدرتهم ولا إرادتُهم، ولا تتصوَّره عقولهم، ولا يُمْكِنُ أحدٌ (?) من خلقِه قطُّ أن يعبُده حقَّ عبادته، ولا يوفِّيه حقَّه من المحبة والحمد.

ولهذا قال أفضلُ خلقه وأكملُهم وأعرفُهم به وأحبُّهم إليه وأطوعُهم له: "لا أحصي ثناءً عليك" (?)، وأخبَر أنَّ عملَه - صلى الله عليه وسلم - لا يستقلُّ بالنَّجاة، فقال: "لن يُنْجِي أحدًا منكم عملُه"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ ! قال: "ولا أنا إلا أن يتغمَّدني اللهُ برحمةٍ منه وفضل" (?). فصلواتُ الله وسلامه عليه عَدَد ما خَلَق في السَّماء، وعَدَد ما خَلَق في الأرض، وعَدَد ما بينَهما، وعَدَد ما هو خالق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015