وليس يَصِحُّ في الأذهانِ شيءٌ ... إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ (?)

فما أبقى اللهُ عزَّ وجلَّ حَسَنًا إلا أمَر به وشرَعه، ولا قبيحًا إلا نهى عنه وحذَّر منه.

ثمَّ إنه سبحانه أودَع في الفِطر والعقول الإقرارَ بذلك، فأقام عليها الحجَّةَ من الوجهين، ولكن اقتضت رحمتُه وحكمتُه أن لا يعذِّبها إلا بعد إقامتها عليها برسله، وإن كانت قائمةً عليها بما أودَع فيها واستشهَدها عليه من الإقرار به وبوحدانيَّته واستحقاقه الشُّكرَ من عباده - بحسب طاقتهم - على نِعَمه، وبما نَصَبَ عليها من الأدلَّة المتنوِّعة المستلزمة إقرارَها بحُسْن الحسن وقُبح القبيح.

الوجه الحادي والأربعون: أنَّا نذكر لكم وجهًا من الوجوه الدَّالَّة على وجه الحُسْن في أصل التكليف والإيجاب، فنقول: لا ريب أنَّ إلزامَ النَّاس شريعةً يأتمرون بأوامرها التي فيها صلاحُهم، وينتهون عن مناهيها التي فيها فسادُهم أحسنُ عند كلِّ عاقلٍ من تركهم همَلًا كالأنعام، لا يَعْرِفُون معروفًا ولا يُنكِرون منكرًا، وينزُو بعضهم على بعضٍ نَزْوَ الكلاب والحُمُر، ويَعْدُو بعضهم على بعضٍ عَدْوَ السِّباع والكلاب والذِّئاب، ويأكلُ قويُّهم ضعيفَهم، ولا يعرفون الله، ولا يعبدونه، ولا يذكرونه، ولا يشكرونه، ولا يمجِّدونه (?)، ولا يَدِينُون بدين، بل هم من جنس الأنعام السَّائمة.

ومن كابرَ عقلَه في هذا سَقَط الكلامُ معه، ونادى على نفسه بغاية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015