وكذلك إذا كان لا يستوي عندكم رجلان أحدُهما أبكمُ لا يَعْقِلُ ولا يَنْطِق، وهو مع ذلك عاجزٌ لا يَقْدِرُ على شيء، وآخرُ على طريقٍ مستقيمٍ في أقواله وأفعاله، وهو آمرٌ بالعدل عاملٌ به لأنه على صراطٍ مستقيم، فكيف تُسَوُّون بين الله وبين الصَّنم في العبادة؟ !
ونظائرُ ذلك كثيرةٌ في القرآن وفي الحديث، كقوله في حديث الحارث الأشعريِّ: "وإنَّ الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وإنَّ مثَل من أشرك كمثَل رجلٍ اشترى عبدًا من خالص ماله، وقال له: اعمَل وأدِّ إليَّ، فكان يعملُ ويؤدِّي إلى غيره، فأيكم يحبُّ أن يكون عبدُه كذلك؟ ! " (?).
فالله سبحانه لا تُضرَبُ له الأمثالُ التي يشتركُ هو وخلقُه فيها شمولًا ولا تمثيلًا، وإنَّما يُستعمَلُ في حقِّه قياسُ الأولى كما تقدَّم.
الوجه الرابع والثَّلاثون: أنَّ النُّفاة إنما ردُّوا على خصومهم من الجهمية والمعتزلة في إنكارهم الصِّفات (?) بقياس الغائب على الشاهد (?).
فقالوا: العالِمُ شاهدًا من له العلم، والمتكلِّمُ من قام به الكلام، والحيُّ والمريدُ والقادرُ من قام به الحياةُ والإرادةُ والقدرة، ولا يُعْقَلُ إلا هذا.