* أمَّا العقل، فكاستدلالنا على أنَّ معطي الكمال أحقُّ بالكمال، فمن جعل غيرَه سميعًا بصيرًا عالمًا متكلِّمًا حيًّا حكيمًا قادرًا مريدًا رحيمًا محسنًا فهو أولى بذلك وأحقُّ منه، ويثبتُ له مِنْ هذه الصِّفات أكملُها وأتمُّها.
وهذا مقتضى قولهم (?): "كمالُ المعلول مستفادٌ من كمال علَّته"، ولكن نحن ننزِّه الله عزَّ وجلَّ عن إطلاق هذه العبارة في حقِّه، بل نقول: كلُّ كمالٍ ثبتَ للمخلوق غير مستلزمٍ للنَّقص فخالقُه ومُعْطِيه إياه أحقُّ بالاتصاف به، وكلُّ نقصٍ في المخلوق فالخالقُ أحقُّ بالتنزُّه عنه، كالكذب والظُّلم والسَّفَه والعبث (?)، بل يجبُ تنزيهُ الربِّ تعالى عن النَّقائص والعيوب مطلقًا وإن لم يتنزَّه عنها (?) بعض المخلوقين.
وكذلك إذا استدللنا على حكمته تعالى بهذه الطَّريق، نحو أن يقال: إذا كان الفاعلُ الحكيمُ الذي لا يَفْعَلُ فعلًا إلا لحكمةٍ وغايةٍ مطلوبةٍ له مِنْ فعله أكملَ ممَّن يفعلُ لا لغايةٍ ولا لحكمةٍ ولا لأجل عاقبةٍ محمودةٍ وهي مطلوبةٌ مِنْ فعله في الشاهد = ففي حقِّه تعالى أولى وأحرى، فإذا كان الفعلُ للحكمة كمالًا فينا فالربُّ تعالى أولى به وأحقُّ، وكذلك إذا كان التنزُّه عن الظُّلم والكذب كمالًا في حقِّنا فالربُّ تعالى أولى وأحقُّ بالتنزُّه عنه.
* وبهذا ونحوه ضرب اللهُ الأمثالَ في القرآن، وذكَّر العقولَ ونبَّهها وأرشدَها إلى ذلك: