العقليِّ على غلطه، فأمَّا إذا كان الدَّليلُ العقليُّ مطابقًا لحكمه فمِن أين لكم الحكمُ بغَلَطِه؟ !

فإن قلتم: إذا ثبتَ أنه يغلطُ في حكمٍ ما لم يكن حكمُه مقبولًا؛ إذ لا ثقةَ بحكمه.

قلنا: إذا جوَّزتم أن يكون في الفطرة حاكمان: حاكمُ الوهم، وحاكمُ العقل، ونسبتم حُكمَ العقل إلى حُكم الوهم (?)، وقلتم في بعض القضايا التي يجزم العقلُ بها: هي مِنْ حُكم الوهم = لم يَبْق لكم وثوقٌ بالقضايا التي يجزم بها العقلُ ويحكمُ بها؛ لاحتمال أن يكونَ مستندُها حُكمَ الوهم لا حُكمَ العقل، فلا بدَّ لكم من التفريق بينهما، ولا بدَّ للتفريق أن تكونَ قضاياه ضروريَّة ابتداءً وانتهاءً، وإذا جوَّزتم أن يكونَ بعض القضايا الضروريَّة وهميَّةً لم يَبْق لكم طريقٌ إلى التفريق!

الوجه التَّاسع عشر: أنَّ هذا الذي فرضتموه فيمن يستقبِحُ شيئًا لمخالفة غَرضِه ويستحسِنُه لموافقة غَرضِه، أو بالعكس؛ إنما مَوْرِدُه الحِسِّيَّاتُ غالبًا، كالمآكل والملابس والمساكن والمناكِح؛ فإنها بحسب الدَّواعي والميول والعوائد والمناسبات، فهو إنما يكونُ في الجزئيَّات (?) وأمَّا الكلِّيَّاتُ العقليةُ فلا يكاد يَعْرِضُ فيها ذلك (?)، فلا يكون العدلُ والصدقُ والإحسانُ حَسَنًا عند بعض العقول قبيحًا عند بعضها، كما يكون اللونُ الأسودُ مُشْتهًى حَسَنًا موافقًا لبعض النَّاس مبغوضًا لبعضهم، ومن اعتَبر هذا بهذا فقد خَرَجَ واعتَبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015