فإن قلتم: لعلَّ في ضمن الإغراق والإهلاك سرًّا لم نطَّلع عليه، وغرضًا لم نَصِل إليه، فقدَّروا مثلَه في ترك إنقاذنا نحن للغَرقى، بل في إهلاكنا لمن نُهْلِكه، والفعلان من حيث الصِّفات النَّفسية واحدٌ (?) عقلًا وشرعًا.

فإنه سبحانه لا يتضرَّرُ بمعصية العبد، ولا ينتفعُ بطاعته، ولا تتوقَّفُ قدرتُه في الإحسان إلى العبد على فعلٍ يصدُر من العبد، بل كما أنعَم عليه ابتداءً بأجزل المواهب وأفضل العطايا، مِنْ حُسْن الصُّورة، وكمال الخِلقة، وقوام البِنْية، وإعداد الآلة، وإتمام الأداة، وتعديل القامة (?)، وما متَّعه من أرواح الحياة، وفضَّله به من حياة الأرواح، وما أكرمه به من قبول العلم، وهداه إلى معرفته التي هي أسنى جوائزه؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] = فهو سبحانه أقدَر على الإنعام عليه دوامًا.

فكيف يوجبُ على العبد عبادةً شاقَّةً في الحال لارتقاب ثوابٍ في ثاني الحال؟ ! أليس لو ألقى إليه زمام الاختيار حتَّى يفعل ما يشاء، جريًا على رسُوم طبعه (?) المائل الى لذيذ الشهوات، ثمَّ أجزل له في العطاء من غير حساب؛ كان ذلك أروَحَ للعبد، ولم يكن قبيحًا عند العقل؟ !

فقد تعارض الأمران:

أحدهما: أن يكلِّفهم، فيأمر ويَنهى حتَّى يُطاع ويُعصى، ثمَّ يثيبهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015