يدخُل الحُسْن والقُبح إذنْ في صفاتهما الذَّاتية التي تحقَّقت حقيقتُهما بها، ولا يَلْزمهما (?) في الوَهم بالبديهة، كما بيَّنَّا، ولا يَلْزمهما (?) في الوجود ضرورةً؛ فإنَّ من الأخبار التي هي صادقةٌ ما يُلام عليه؛ مثلُ الدَّلالة على من هَرَبَ مِنْ ظالم (?)، ومن الأخبار التي هي كاذبة ما يُثابُ عليها، مثلُ إنكار الدَّلالة عليه.

فلم يدخُل كونُ الكذب قبيحًا في حدِّ الكذب، ولا لَزِمَه في الوهم، ولا لَزِمَه في الوجود، فلا يجوزُ أن يُعَدَّ من الصفات الذَّاتية التي تَلْزَمُ النَّفسَ وجودًا وعدمًا عندهم؛ ولا يجوزُ أن يُعَدَّ من الصِّفات التَّابعة للحدوث، فلا يُعْقَلُ بالبديهة ولا بالنَّظر؛ فإنَّ النَّظريَّ (?) لا بدَّ أن يُرَدَّ إلى الضروريِّ البديهيِّ، وإذ لا بديهيَّ فلا مردَّ له أصلًا.

فلم يَبْق لهم إلا الاسترواحُ إلى عادات النَّاس مِنْ تسمية ما يضرُّهم: قبيحًا وما ينفعهم: حسنًا، ونحن لا ننكرُ أمثال تلك الأسامي، على أنها تختلفُ بعادة قومٍ [دون قوم]، وزمانٍ [دون زمان]، ومكانٍ دون مكان، وإضافةٍ دون إضافة، وما يختلفُ بتلك النِّسَب والإضافات لا حقيقة له في الذَّات، فربَّما يستحسنُ قومٌ ذبحَ الحيوان، وربَّما يستقبحُه قوم، وربَّما يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015