وقد فتحَ الله (?) الكريمُ بالجواب عنه، فنقول: [الكلام] له نسبتان؛ نسبةٌ إلى المتكلِّم وقصدِه وإرادته، ونسبةٌ إلى السَّامع وإفهام المتكلِّم (?) إياه مضمونه.

فإذا أخبَر المتكلِّمُ بخبرٍ مطابقٍ للواقع، وقَصَد إفهامَ المخاطَب إياه = صَدَق بالنِّسبتين؛ فإنَّ المتكلِّم إن قَصَد الواقع وقَصَد إفهامَ المخاطَب فهو صدقٌ من الجهتين.

وإن قَصَد خلافَ الواقع، وقَصَد مع ذلك إفهامَ المخاطَب خلافَ ما قَصَد (?)، بل معنًى ثالثًا لا هو الواقعُ ولا هو المراد = فهو كذبٌ من الجهتين بالنِّسبتين معًا.

وإن قَصَد معنًى مطابِقًا صحيحًا، وقَصد مع ذلك التَّعمية على المخاطَب وإفهامَ خلافَ مما قَصَده = فهو صدقٌ بالنِّسبة إلى قصدِه، كذبٌ بالنِّسبة إلى إفهامه. ومن هذا الباب التَّوريةُ والمعاريض، وبهذا (?) أطلق عليها إبراهيمُ الخليل - صلى الله عليه وسلم - اسمَ الكذب، مع أنَّه الصَّادقُ في خبره، ولم يخبِر إلا صدقًا (?).

فتأمَّل هذا الموضعَ الَّذي أشكل على النَّاس.

وقد ظهر بهذا أنَّ الكذبَ لا يكونُ قطُّ إلا قبيحًا، وأنَّ الَّذي يحسُن ويجبُ إنما هو التَّورية، وهي صدق، وقد يطلَق عليها الكذبُ بالنِّسبة إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015