(فصل)
أعلم رحمنا الله وإياك وجميع المسلمين أن في القبر وظلمته، وضيقه ووحشته وطرح الميت فيه غير ممهد ولا موسد قد باشر التراب وواجه البلى وترك الدنيا وزينتها للورى.
ونبذ منها ما كان في يديه في العراء مع حبيب تركه وقريب أسلمه، ونصير أفرده، وترك كل ما كان عهده إن ذلك لما يفطم النفوس عن الشهوات، وإن كانت صعبة الفطام، ويقطعها عن اللذات، وإن كان قطعها بعيد المرام، إذا بحث عن الحقيقة ونظر بعين البصيرة وسمع النداء من قريب فبينما الإنسان في رخاء العيش مسرورًا فيما بين يديه غافلاً عن يوم صرعته قد فتح للهوى بابه، وأرسل عليه حجابه، ولم يبال بمن لامه في ذلك أو عابه، إذ هجمت عليه المنية، فهتكت أستاره، وكسفت أنواره، وشتت شمله وطمست أعلامه وآثاره.
فأخرجته من ذلك القصر المشيد، والمنزل المنجد والمتاع المزخرف المنضد، إلى حفرة من الأرض ظلماء ضيقة الجوانب مملوءة من الرعب والفزع والخوف والقلق والذعر.
فحذار حذار وبدار بدار قبل أن تصرع هذا المصرع فيفت في عضدك ويسقط في يدك وترمى بك عن أهلك وولدك في مهواة تزدحم فيها الأهوال، وتنقطع فيها الآمال.
قد جمعت فيها جمعًا ورصعت فيها رصعًا وتركت فيه للهوام والديدان طعمًا، ومرعى.
ولعلك ممن يرغب في تبديل المنازل وإن كانت حسانًا، ولا ترى لربك