وهذا القرآن الحبيب العجيب المعجز، عجيب فى صفاته وسماته، غنى فى معانيه ودلالاته، ثمين فى كنوزه وحقائقه، حى فى نصوصه وتوجيهاته، قوى فى أهدافه وأغراضه، واقعى فى مهمته ورسالته، فاعل فى أثره ودوره .. معجز فى أسلوبه وهديه .. مستمر فى عطائه .. إنه ذو عطاء دائم متجدد، أقبل عليه المسلمون فى مختلف مراحل التاريخ الإسلامى، فوجدوا عنده ما يريدون وزيادة، قرءوه وتدبروه، وعاشوا به ونظروا فى نصوصه، وفسروا آياته، وبينوا شرائعه، وتحدثوا عن توجيهاته، واستخرجوا من كنوزه، وجنوا من ثماره .. والعلماء والمفسرون والمتدبرون أخذوا هذا فى كل قرن، وسجلوه فى كل عصر.
وبقى القرآن قادرا بحول الله على العطاء، كنوزه ثمينة مذخورة لا تنفد، ولو كثر المغترفون، ومعينه ثرّ كريم غزير لا ينضب، ولو كثر الشاربون، وظلاله ممتدة واسعة لا تزول، ولو توافد عليها المتفيئون .. وأنواره مشعة لا تخبو، ولو طال عليها الزمان وامتدت بها السنون .. ورسالته ومهمته متجددة حتى يدركها القرن العشرون، وما
بعده إلى أن يهلك العالمون أجمعون!!.
وقد صدق فى وصفه أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرّم الله وجهه، عند ما قال عنه: «هو كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخير ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله، وهو حب الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذى لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه .. وهو الذى لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا