الشبهات والشهوات، وأمراض الهوى والانحراف، وأمراض الشك والشرك، وأمراض القلوب والنفوس والجوارح والحواس، وأمراض السياسة والاقتصاد والأخلاق والاجتماع والحياة والحضارة .. بهذا المفهوم الموسع الشامل يجب أن ننظر للشفاء القرآنى، وأن نتناوله بهذه السعة والإحاطة، لا أن نقصره على آلام الرأس والسن والبطن، أو نحوله إلى تعاويذ وتمائم ورقى وحجب، فنمسخه ونقزمه ونفرغه من هذا المعنى الشامل الواسع، وصدق الله وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82].
ومما يلفت النظر فى الآية أنها جعلت الموعظة القرآنية والشفاء القرآنى للناس جميعا، بينما خصصت الهدى والرحمة بالمؤمنين، وقصرتهما عليهم، مما يجعل الإيمان شرطا للهدى والرحمة.
: قال تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) [الأنعام: 104]، وقال تعالى: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) [الأعراف: 203] وقال تعالى: هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) [الجاثية: 20]. وهذه البصائر القرآنية الربانية الهادية موجهة للناس جميعا، ولكن هذه البصائر لا تدركها إلّا القلوب الحية، حيث تعيها وتتفاعل معها وترشد بها، وتهتدى على أساسها. إن الأجسام لها العيون التى تبصر بها، وإن القلوب
لها البصائر التى تهتدى بها، فالأبصار للأجساد والبصائر للقلوب، وإذا ما تعطلت أبصار الأبدان فقد يعيش الإنسان بدونها، ولكن إذا تعطلت بصائر القلوب فإنها تموت، ولا يبقى فيها نفع أو خير، وصدق الله القائل: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) [الحج: 46].