سبق أن تحدثنا عن أمر ضرورى للتعامل مع القرآن، والوقوف على معانيه وحقائقه وعلومه وكنوزه، وهو ملاحظة البعد الواقعى للآيات، كما تحدثنا عن أمر آخر ضرورى وهو «توسيع التفسير» وثالث وهو: «تحرير النصوص من قيود الزمان والمكان» .. وحتى ينجح القارئ البصير فى تحقيق تلك الأمور، وفى استعمال تلك المفاتيح، فلا بدّ أن يستعين بالعلوم والمعارف والثقافات الحديثة، وأن يلم منها بطرف موجز، وأن يطلع منها على مسائل وقضايا ذات ارتباط بآيات القرآن .. وذلك حتى يوظف هذه العلوم والمعارف فى خدمة النص القرآنى وتوسيعه وزيادة أبعاده ودلالاته ..
ومعلوم أن «الخلفية الثقافية» للقارئ وسيلة نافعة لتعامله مع القرآن، وأن حصيلته من المعارف والثقافات المعاصرة تعينه على سعة نظرته إلى الآية وتلقيه عنها وحياته بها .. ولا يتعارض هذا مع ما بيناه فى قاعدة سابقة من اشتراط دخوله عالم القرآن بدون مقررات سابقة، لأن اشتراط إلقاء المقررات والأفكار على عتبة القرآن حتى لا تحجبه عن تدبره أو تقوده إلى خطأ التعامل معه .. لا يعنى أن ينخلع القارئ من معلوماته وأن ينسلخ من ثقافاته، وأن يزيل علومه ومعارفه .. إن هذه كلها تضر إذا جعلها حاكمة على القرآن، فتحجب عنه أنواره، لكنها تنفع إذا جعلها خادمة للقرآن تابعة