وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ.

وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ، وَلِلْحَاجِّ مِنًى، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ) بِأَيِّ مَكَان (بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ وَيُفَرَّقَ لَحْمُهُ فِيهِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ تَفْرِقَتُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ حَصَلَ الْغَرَضُ (وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ) وَجِلْدِهِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ إنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ (إلَى مَسَاكِينِهِ) أَيْ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ مِنْهُمْ وَالْغُرَبَاءِ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَشْتَدَّ حَاجَةُ الثَّانِي فَهُوَ أَوْلَى.

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَذْبُوحَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْطِيَهُ بِجُمْلَتِهِ لَهُمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ، وَيَكْفِي دَفْعُهُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ سَوَاءٌ انْحَصَرُوا أَمْ لَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا انْحَصَرُوا كَمَا فِي الزَّكَاةِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَهُنَاكَ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كُلَّهُ فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ كَذَلِكَ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَسَيَأْتِي، وَدَفْعُ الطَّعَامِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ. أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ. ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا.

(وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ) مِنْ الْحَرَمِ (لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ) الَّذِي لَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَلَا قَارِنًا وَلَوْ مُفْرِدًا (الْمَرْوَةُ) لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ تَحَلُّلِهِ (وَلِ) ذَبْحِ (الْحَاجِّ) وَلَوْ قَارِنًا أَوْ مُرِيدًا إفْرَادًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَنْ دَمِ تَمَتُّعِهِ (مِنًى) لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِ، وَالْأَحْسَنُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي " بُقْعَةٍ " ضَبْطُهَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الْحَرَمِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا) أَيْ الْمُعْتَمِرُ وَالْحَاجُّ (مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015