وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ.
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَيَجُوزُ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ فِيهِ فِي إنَاءٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَفَتْحِ دُمَّلٍ وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ لِلْحَاجَةِ، أَمَّا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ هَوَائِهِ بِهَا مَعَ زِيَادَةِ الْقُبْحِ، وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِيهِ إذَا أَمِنَ التَّلْوِيثَ، فَإِنْ لَوَّثَ الْخَارِجُ بِمَا ذُكِرَ الْمَسْجِدَ أَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فِيهِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ حَرُمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَنَّ الدِّمَاءَ أَخَفُّ مِنْهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَحِلِّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَلِأَنَّهُمَا أَقْبَحُ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ نَحْوِ الْفَصْدِ مُتَوَجِّهًا لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِهِمَا.
وَإِنْ اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ فِي طَاعَةٍ، وَيُسَنُّ لَهُ الصَّوْمُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) لَا يَضُرُّهُ (الْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ) وَاعْتِكَافُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِخَبَرِ أَنَسٍ «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» (1) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
(وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ) الِاعْتِكَافُ يَوْمَ صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ أَفْضَلُ؛ فَإِذَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ لَزِمَهُ كَالتَّتَابُعِ، وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَطْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّوْمُ عَنْ رَمَضَانَ أَمْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا، وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ.
(وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَوْ يَصُومَ (أَوْ) عَكْسَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ (يَصُومَ مُعْتَكِفًا) أَوْ بِاعْتِكَافٍ (لَزِمَاهُ) أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الصَّوْمَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ لِمَوْصُوفِهَا، وَأَلْحَقُوا الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ بِالْحَالِ الصَّرِيحَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (وُجُوبُ جَمْعِهِمَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسَهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهُمَا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّوْمَ يُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَفِّ، وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ الْجَمْعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ