وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ
عَلَى تَمْرٍ، وَإِلَّا فَمَاءٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ.
الثَّانِي: الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَنَاوَلَ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعُ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْفِطْرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا: لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (1) زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " وَأَخَّرُوا السُّحُورَ " وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَفِيهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ، وَأَنْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَايَأَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. قَالَ: وَكَأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ اهـ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كَرَاهَةَ السِّوَاكِ لَا تَزُولُ بِالْغُرُوبِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَخَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِهِ وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ.
وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (عَلَى) رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَى (تَمْرٍ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ (فَمَاءٍ) لِخَبَرِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ فِي حَرْمَلَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ جَمَاعَةٍ بِتَمْرَةٍ بِحَمْلِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى أَصْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا عَلَى كَمَالِهَا، وَنَقَلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى حُلْوٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ؛ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَانِ شَاذَّانِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: مَنْ بِمَكَّةَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ اهـ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ، وَلِلْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ حِفْظُ الْبَصَرِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُهُ