الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَبِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ، وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ.
وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّايِ (الْمُسْلِمُ) أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ) أَيْ جَعَلَ (اللَّهُ أَجْرَكَ) عَظِيمًا (وَأَحْسَنَ) أَيْ جَعَلَ اللَّهُ (عَزَاءَكَ) بِالْمَدِّ حَسَنًا وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَقُدِّمَ الدُّعَاءُ لِلْمُعَزِّي؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ (وَ) يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْكَافِرِ) الذِّمِّيِّ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ) وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إذَا اُحْتُمِلَ حُدُوثُ مِثْلِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِالْهَمْزِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: رُدَّ عَلَيْكَ مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْكَ وَإِلَّا خَلَّفَ عَلَيْكَ: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ مِنْ فَقْدِهِ، وَلَا يَقُولُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ (وَ) يُعَزَّى (الْكَافِرُ) الْمُحْتَرَمُ جَوَازًا إلَّا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَنَدْبًا: أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ) وَقُدِّمَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَالْحَيُّ كَافِرٌ، وَلَا يُقَالُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ.
أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يُعَزَّى، وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ الظَّاهِرُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأُوَلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ. هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَلَا يُعَزَّى بِهِ أَيْضًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْزِيَةَ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ اسْتِحْبَابَهَا مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ، وَصِيغَتُهَا: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَلَا نَقَصَ عَدَدُكَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ.
فَائِدَةٌ سُئِلَ أَبُو بَكْرَةَ عَنْ مَوْتِ الْأَهْلِ فَقَالَ: مَوْتُ الْأَبِ قَصْمُ الظَّهْرِ، وَمَوْتُ الْوَلَدِ صَدْعٌ فِي الْفُؤَادِ، وَمَوْتُ الْأَخِ قَصُّ الْجَنَاحِ، وَمَوْتُ الزَّوْجَةِ حُزْنُ سَاعَةٍ. وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ، وَهَذَا مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ. وَلَمَّا عُزِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِهِ رُقَيَّةَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ دَفْنُ الْبَنَاتِ مِنْ الْمَكْرُمَاتِ» رَوَاهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ.
(وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (قَبْلَ الْمَوْتِ) بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضِرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْهُ بَعْدَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ إظْهَارًا لِكَرَاهَةِ فِرَاقِهِ، وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي مَالِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ