فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ أَبَدًا، وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ لَمْ يُمْهَلْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةً، وَلَوْ اُسْتُمْهِلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ.
وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ أَوْ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا.
(فَإِنْ) (لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي) يَمِينَ الرَّدِّ (وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ) أَيْ لَمْ يُبْدِ عِلَّةً وَلَا عُذْرًا وَلَا طَلَبَ مُهْلَةٍ (سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ) الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا لِإِعْرَاضِهِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ (وَلَيْسَ لَهُ) فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ (مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ) إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً، كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) أَوْ سُؤَالِ فَقِيهٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ أَوْ لَا (أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ) أَوْ بِأَنْ يَتَرَوَّى (أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إضْرَارٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ (وَقِيلَ) يُمْهَلُ (أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ، وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ؟ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ) (اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ) (لَمْ يُمْهَلْ) إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ (وَقِيلَ:) يُمْهَلُ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ كَالْمُدَّعِي، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ عَمَّا لَوْ اُسْتُمْهِلَ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى دَافِعٍ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةً كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَلَوْ اسْتَمْهَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ (فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ) لِيُرَاجِعَ حِسَابَهُ وَنَحْوَهُ (أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي وَالْبَارِزِيِّ: إنْ شَاءَ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَهُ التَّرْكُ بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ يَحْلِفُ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، كَمَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، وَنُكُولُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ كَنُكُولِهِ عَنْ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ.
ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسَائِلَ تُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ فَقَالَ: (وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ) فِي مَالٍ نَعَمٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ (فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ) ، (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ دَفْعَهَا بَلْ (ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ) بَعْدَ الْتِزَامِهِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ) بِأَنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَلَا رَدَّ عَلَى السَّاعِي وَالسُّلْطَانِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِ النِّصَابِ وَمُضِيِّ الْحَوْلِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاصِّ الثَّانِي: لَا، إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ،