فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوْ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْمُحِقِّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي، فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَحَكَمَ عَلَى شَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحْلِفَ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَثِمَ. أَمَّا إذَا حَلَّفَهُ الْغَرِيمُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ أَوْ حَلَّفَهُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ طَلَبِهِ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ هُوَ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَلَوْ) (وَرَّى) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَصَدَ خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عِنْدَ تَحْلِيفِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ كَقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ، فَدِرْهَمُ قَبِيلَةٍ وَدِينَارُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ وَمَا لَهُ قِبَلِي ثَوْبٌ وَلَا شُفْعَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَالثَّوْبُ الرُّجُوعُ وَالشُّفْعَةُ الْعَبْدُ وَالْقَمِيصُ غِشَاءُ الْقَلْبِ (أَوْ تَأَوَّلَ) بِأَنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ (خِلَافَهَا) أَيْ خِلَافَ نِيَّةِ الْقَاضِي كَحَنَفِيٍّ حَلَّفَ شَافِعِيًّا عَلَى شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ (أَوْ اسْتَثْنَى) الْحَالِفُ كَقَوْلِهِ عَقِبَ يَمِينِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ وَصَلَ بِاللَّفْظِ شَرْطًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ (بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي) ذَلِكَ (لَمْ يَدْفَعْ) مَا ذُكِرَ (إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْوِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَاضِي؟ إذْ لَا يُقَالُ: وَاَللَّهِ مَا أَتْلَفْت أَوْ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَوْجِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَنْعَقِدُ يَمِينِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا إذَا وَجَّهَهُ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالشَّرْطِ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُ إثْمَ الْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لَحَلَفَ وَوَرَّى نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقَّ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ كَالْحَنَفِيِّ فَحَلَّفَهُ بِهِ نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فِي بَابِ التَّوْرِيَةِ اهـ.
وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَصْوِيرُهَا بِأَنْ يَرَى الْقَاضِي ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ لَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ يَرَاهُ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ الظَّالِمَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَيُنْكِرُ، فَإِنْ اكْتَفَى بِالْيَمِينِ فَلْيَحْلِفْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمُعْسِرِ فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ وَنَوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمَ الْآنَ صَحَّ تَأْوِيلُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ السَّابِقَةِ بَلْ خَصْمُهُ ظَالِمٌ بِمُطَالَبَتِهِ إنْ عَلِمَ، وَمُخْطِئٌ إنْ جَهِلَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ عَمَّا إذَا سَمِعَ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيُعِيدُ الْيَمِينَ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ الْقَاضِي مَنَعَهُ وَأَعَادَ الْيَمِينَ، فَإِنْ قَالَ: كُنْت أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى. قِيلَ لَهُ: