فَلَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهَا بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرُوءَتُهُ، أَوْ سَيِّدٌ لِمُكَاتَبِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، أَوْ مَخْفِيُّ الْكُفْرِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ (فَلَا) تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ يُعَيَّرُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ (وَتُقْبَلُ) (شَهَادَتُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا حَالَ فِسْقِهِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِغَيْرِهَا (بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِهَا لِتَرْوِيجِ شَهَادَتِهِ، وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ، فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ ذَلِكَ لَيُقَوِّيَ مَا ادَّعَاهُ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْقَذَفَةِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء: 16] (وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (بِسَنَةٍ) لِأَنَّ لِمُضِيِّهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي تَهْيِيجِ النُّفُوسِ لِمَا تَشْتَهِيه، فَإِذَا مَضَتْ عَلَى السَّلَامَةِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِحُسْنِ السَّرِيرَةِ، وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ السَّنَةَ فِي الْعُنَّةِ وَفِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ وَالزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ، وَهَلْ السَّنَةُ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ؟ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ، رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا الثَّانِيَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاخْتِبَارِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَخْفِيُّ الْفِسْقِ إذَا تَابَ وَأَقَرَّ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ عَمَّا كَانَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ إلَّا عَنْ صَلَاحٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ عَصَى الْوَلِيُّ بِالْعَضْلِ ثُمَّ تَابَ زُوِّجَ فِي الْحَالِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَمِنْهَا شَاهِدُ الزِّنَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَدَدِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى اسْتِبْرَاءٍ بَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا نَاظِرُ الْوَقْفِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا فَسَقَ ثُمَّ تَابَ عَادَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. وَمِنْهَا الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ. وَمِنْهَا قَاذِفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ لِمَفْهُومِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ. وَمِنْهَا الصَّبِيُّ إذَا فَعَلَ مَا يَقْتَضِي فِسْقَ الْبَالِغِ ثُمَّ تَابَ وَبَلَغَ تَائِبًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الِاخْتِبَارُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. وَمِنْهَا لَوْ حَصَلَ خَلَلٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ زَالَ احْتَاجَ الْفَرْعُ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ثَانِيًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الْمُدَّةَ. وَمِنْهَا الْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ عَدْلًا قَبْلَ الرِّدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ كَالْفَاسِقِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ أَتَى بِضِدِّ الْكُفْرِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ احْتِمَالٌ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا زَنَى ثُمَّ تَابَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَيْسَتْ مُضَافَةً لِلْمَعْصِيَةِ بِحَيْثُ تَنْفِيهَا، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إسْلَامَ الْمُرْتَدِّ بِمَا إذَا أَسْلَمَ مُرْسَلًا، فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ تَقْدِيمِ الْقَتْلِ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ.
تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّافِعِيِّ عَلَى الْفِسْقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا تَابَ عَمَّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ