فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ، وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي فَصْلِ الْإِيصَاءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذُكِرَتْ هُنَاكَ لِلِانْعِزَالِ، وَهُنَا لِعَدَمِ نُفُوذِ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِانْعِزَالِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ قَاضِي الضَّرُورَةِ. أَمَّا هُوَ إذَا وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ وَالْقَاضِي فَاسِقٌ فَزَادَ فِسْقُهُ، فَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ إحْرَامِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ لِشُمُولِ النَّصِّ لَهَا، وَهُوَ حَتَّى يَجِدَ رِيحًا أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةٍ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ) السَّابِقَةُ مِنْ جُنُونٍ وَمَا بَعْدَهُ ثُمَّ عَادَتْ الْأَهْلِيَّةُ (لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ) بِلَا تَوْلِيَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَطَلَ لَمْ يَنْقَلِبْ إلَى الصِّحَّةِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي؛ تَعُودُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ تَوْلِيَةٍ كَالْأَبِ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ.
تَنْبِيهٌ لَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ عَادَتْ، فَإِنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ جَزْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ لِقُوَّتِهِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ.
(وَ) يَجُوزُ (لِلْإِمَامِ) (عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ) لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، وَيَكْفِي فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْوَسِيطِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَمِنْ الظَّنِّ كَثْرَةُ الشَّكَاوَى مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا كَثُرَتْ الشَّكَاوَى مِنْهُ وَجَبَ عَزْلُهُ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَلَ إمَامًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَقَالَ: لَا يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا» وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي إمَامِ الصَّلَاةِ جَازَ فِي الْقَاضِي، بَلْ أَوْلَى. نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ. أَمَّا ظُهُورُ خَلَلٍ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ (أَوْ لَمْ يَظْهَرْ) مِنْهُ خَلَلٌ (وَ) لَكِنَّ (هُنَاكَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ) تَحْصِيلًا لِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ لَا تَنْعَقِدُ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ تَمَّتْ فَلَا يُقْدَحُ فِيهَا مَا يَحْدُثُ (أَوْ) كَانَ هُنَاكَ (مِثْلُهُ) أَيْ أَوْ دُونَهُ (وَ) لَكِنْ (فِي عَزْلِهِ بِهِ) لِلْمُسْلِمِينَ (مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَزْلِهِ مَصْلَحَةٌ (فَلَا) يَجُوزُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ يُصَانُ عَنْهُ.
وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْمِثْلِ لَا فِي الْأَفْضَلِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا بِعَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي عَزْلِهِ، فَقَالَ: أَوْ مِثْلُهُ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ، وَلَيْسَ فِي عَزْلِهِ فِتْنَةٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَصْلَحَةً مِنْ وَجْهِ آخَرَ، وَ (لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ) مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: