فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ وَلَا بَعْضَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ.
تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْأَخْذِ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ وَكَالِاسْتِصْحَابِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَقَدْ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكِتَابَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكْتُبَ لِغَيْرِهِ وَيُكْتَبَ إلَيْهِ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ رُبَّمَا حَرَّفَ الْقَارِئُ بِخِلَافِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ عَدَمَ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ مُعْجِزَةٌ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مَنْقَصَةٌ، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا تُشْتَرَطُ، ثُمَّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِمَذْهَبِ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ، وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيه الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ، كَمَا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَفَّالِ: إنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجْتَهِدٌ قَائِمٌ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، أَوْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْقَفَّالُ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ: أَتَسْأَلُنِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مَا عِنْدِي؟ . وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ إسْنَادُ مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ، بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ، فَمَا هَذَا كَلَامُ مَنْ يَدَّعِي زَوَالَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَذْهَبِ.
فُرُوعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ، فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالتُّقَى أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ النَّسَبِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا حِلْمٍ وَتَثَبُّتٍ وَلِينٍ وَفَطِنَةٍ وَيَقَظَةٍ وَكِتَابَةٍ وَصِحَّةِ حَوَاسٍّ وَأَعْضَاءٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلُغَةِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْضِي لِأَهْلِهِ، قَنُوعًا سَلِيمًا مِنْ الشَّحْنَاءِ، صَدُوقًا، وَافِرَ الْعَقْلِ، ذَا وَقَارٍ وَسَكِينَةٍ، وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ حَالِهِ كَمَا اخْتَبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا.
وَلَوْ وَلَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ لَهُ وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ أَثِمَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَوْلَى بِفَتْحِهَا، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهِ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ (فَإِنْ) (تَعَذَّرَ) فِي رَجُلٍ (جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ) السَّابِقَةِ (فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا) مُسْلِمًا (أَوْ