عُمْرَةٍ، فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمْرَةٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ قَصْدَهُ بِنُسُكٍ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَجِبُ ذَلِكَ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى وَاجِبِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا نَوَاهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ، وَعَرَفَاتٌ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ كَالصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَوْ مِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ دَارِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ الْخَيْزُرَانِ لَزِمَهُ إتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تُتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ، وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَنْ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ، وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ: بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَيَلْغُو النَّفْيُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُعَلِّلًا لَهَا بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيه، وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ الْإِتْيَانَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَلْغُو نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فَلَمْ يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضِيلَةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزِمَةِ فَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ وَافَقَ فِي الْمَشْيِ وَخَالَفَ فِي الْإِتْيَانِ، وَقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْقُرْبَةِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] فَجَعَلَ الرُّكُوبَ صِفَةً لَهُ كَالْمَشْيِ (فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْمَشْيَ، بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَطْعًا (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ (فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ جَعْلَهُ وَصْفًا لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا. أَمَّا الْعَاجِزُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُ الْقَادِرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي جِنْسِهِ مَشْيٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ.

تَنْبِيهٌ: أَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَشْيَ؟ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ رَاكِبًا، وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مُؤْنَةٍ وَإِنْفَاقٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ.

وَأُجِيبَ عَنْ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا بِأَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي حَجِّهِ لَمَشَى جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَعَهُ إلَّا بِجَهْدٍ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، وَالثَّالِثُ: هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الْمَشْيِ وَاضِحٌ عَلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الرُّكُوبِ. أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الرُّكُوبِ فَلَا يَجِبُ الْمَشْيُ، وَهُوَ مَا اقْتَضَى كَلَامَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015