وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ.
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِنْثُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُمَا حَلْوَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانُ وَالْقَطَائِفُ، وَإِذَا قُصِرَتْ الْحَلْوَى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ.
فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ حُلْوٌ يُحِبُّ الْحَلْوَى» وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرَ. وَقَالَ عُرْفُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَطْبُوخُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ، وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْفَوَاكِهِ عُدَّ مِنْ الْحَمْقَى وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى اللُّغَةِ إنْ لَمْ يُعَضِّدْهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ إطْلَاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْبُرِّ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ هَذَا حُمِلَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَيْهِ اهـ.
وَهَلْ يَدْخُلُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَاللَّحْمُ فِي الْقُوتِ لِمَنْ يَعْتَادُ كُلًّا مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ دُخُولِهَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا، وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ، وَالثِّمَارُ، وَالْبَصَلُ، وَالْمِلْحُ، وَالْخَلُّ، وَالشَّيْرَجُ، وَالتَّمْرُ (وَلَوْ) تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُشْتَهِرَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا) فَيَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا، وَكَذَا شَحْمُهَا وَكَبِدُهَا وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى اللَّحْمِ (دُونَ وَلَدٍ) لَهَا (وَلَبَنٍ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا حَمْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مَسْمُوطًا حَنِثَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ مُشْتَهِرًا قُدِّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) لَا آكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) مِنْهَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهِ (دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ) مِنْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ وَالْأَوْرَاقَ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ، وَالْجُمَّارُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَالتَّمْرِ قَالَ: وَإِنْ أُكِلَ الْوَرَقُ فِي بَلْدَةٍ أَكْلًا مُتَعَارَفًا كَوَرَقِ بَعْضِ شَجَرِ الْهِنْدِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْحَلْوَى وَأَحْسَنُ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا اهـ.
فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ يَكُونُ كَالْجُمَّارِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: كَمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ بِفِيهِ، وَإِذَا غَرَفَ بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ لَا مِنْ النَّهْرِ. لَكِنَّهُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ، وَالْحَقِيقَةُ قَدْ تُرَادُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَكْرَعُ بِفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَمْ فِي إنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ.