وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ.

وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ. وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَوْ ادَّعَى سَبْقَ لِسَانِهِ فِي إيلَاءٍ أَوْ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ.

تَنْبِيهٌ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " بِلَا قَصْدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ ".

(وَتَصِحُّ) الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ) كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا أَوْ فَعَلْتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: 74] ثُمَّ إنْ كَانَ عَامِدًا فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهُوَ يَعُمُّ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ لَا يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، بَلْ وَفِيهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّهَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: يُعَزَّرُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، فَإِنْ جَهِلَ فَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي، وَحَيْثُ صَدَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِصِدْقِهِ مُوَافَقَةُ مَا قَصَدَهُ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ خَالَفَ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ حَاكِمٌ فَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَاكِمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (وَ) عَلَى (مُسْتَقْبَلٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» وَيُسْتَثْنَى مُمْتَنِعُ الْحِنْثِ لِذَاتِهِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِيهِ لَا تَنْعَقِدُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ بِخِلَافِ مُمْتَنِعِ الْبِرِّ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قَيَّدَ مُمْتَنِعَ الْبِرِّ بِزَمَنٍ كَلَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ غَدًا هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، وَسَيَأْتِي.

(وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (مَكْرُوهَةٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] أَيْ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ. قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا.

تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، إذْ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُبَاحٌ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ تَجِبُ (إلَّا فِي طَاعَةٍ) مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ فِي دَعْوَى إنْ كَانَتْ صِدْقًا فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَوْكِيدِ كَلَامٍ وَتَعْظِيمِ أَمْرٍ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَضَابِطُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْيَمِينِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ. وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ، وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ فَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ حَلَفَ، وَإِنْ شَاءَ نَكَلَ، وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015