وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا جَازَ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَيْهِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَةٍ لَهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ شُرِطَ تَقْدِيمُهُ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِ النَّوْبَةِ لَاغٍ، وَلَوْ جَرَى بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا تُحْسَبُ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ أَصَابَ، وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَوْقِفِ، فَلَوْ شُرِطَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ لِلْغَرَضِ فَسَدَ الْعَقْدُ.
(وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ) تَثْنِيَةُ زَعِيمٍ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ (يَخْتَارَانِ) قَبْلَ عَقْدِهِمَا مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ (أَصْحَابًا) أَيْ حِزْبًا، وَكَانَ انْتِصَابُهُمَا بِرِضَا ذَلِكَ الْجَمْعِ (جَازَ) وَيَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَحَدَ الْجَمَاعَةِ، وَلِلْجَوَازِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ، فَلَا يَكْفِي زَعِيمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى وَاحِدٌ طَرَفَيْ الْبَيْعِ. الثَّانِي تَعْيِينُ الْأَصْحَابِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَيَخْتَارَانِ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الْعَدَدُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمْعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَأْخُذَ الْحُذَّاقَ. الثَّالِثُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْعَدَدِ، بَلْ لَوْ رَمَى وَاحِدٌ سَهْمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ اثْنَيْنِ جَازَ. الرَّابِعُ إمْكَانُ قِسْمَةِ السِّهَامِ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ، فَإِنْ تَحَزَّبُوا ثَلَاثَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ كَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ تَحَزَّبُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ كَالْأَرْبَعِينَ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَمَنْ أَحَدِهِمَا، وَمِنْهُمَا، لَكِنْ بِمُحَلِّلٍ، وَهُوَ حِزْبٌ ثَالِثٌ يُكَافِئُ كُلَّ حِزْبٍ فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا) أَيْ الْأَصْحَابِ (بِقُرْعَةٍ) وَلَا أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ الْحِزْبِ أَوَّلًا، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْ الَّذِي اخْتَارَهُ قَدْ يَجْمَعُ الْحُذَّاقَ فِي جَانِبٍ وَضِدَّهُمْ فِي الْآخَرِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الزَّعِيمَانِ فِيمَنْ يَخْتَارُ أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَأُقْرِعَ فَلَا بَأْسَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ رَضِيَا بِمَنْ أَخْرَجَتْهُ، وَعَقَدَا عَلَيْهِ يَنْبَغِي جَوَازُهُ اهـ.
وَبَعْدَ تَمْيِيزِ الْأَصْحَابِ وَتَرَاضِي الْحِزْبَيْنِ يَتَوَكَّلُ كُلُّ زَعِيمٍ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعَقْدِ وَيَعْقِدَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَعْرِفَةُ الزَّعِيمَيْنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَابْتِدَاءُ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ كَابْتِدَاءِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ فُلَانٌ وَيُقَابِلَهُ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كُلِّ حِزْبٍ إلَى زَعِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّعِيمِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْحِزْبِ رَامِيًا، بَلْ تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ، وَلِهَذَا قَالَ (فَإِنْ اخْتَارَ) زَعِيمٌ (غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ لَمْ يُحْسِنْ رَمْيًا