وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا وَتَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ طَيْرَ الْبَرِّ لَيْسَ كَطَيْرِ الْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنَّ الْبَغَوِيَّ فِي تَعْلِيقِهِ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَإِنْ حُمِلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي طَيْرِ الْمَاءِ فِي كَلَامِهِمَا عَلَى مَعْنَى فِي فَلَا مُخَالَفَةَ، وَهَذَا أَوْلَى، وَمَحِلُّ مَا مَرَّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَغْمِسْهُ السَّهْمُ فِي الْمَاءِ. سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ فِي هَوَائِهِ. أَمَّا لَوْ غَمَسَهُ فِيهِ قَبْلَ إنْهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَوْ انْغَمَسَ فِيهِ بِالْوُقُوعِ لِثِقَلِ جُثَّتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ غَرِيقٌ لَا يَحِلُّ قَطْعًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا السَّاقِطُ فِي النَّارِ فَحَرَامٌ.
(وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ) أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ بِالشَّرْطِ الْآتِي فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ جُرْحُهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْجَوَارِحِ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ وَذَبْحُهُ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ، وَالْجَوَارِحُ جَمْعُ جَارِحٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَجْرَحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَرْحِهِ الطَّيْرَ بِظُفْرِهِ، أَوْ نَابِهِ. ثُمَّ مَثَّلَ الْجَوَارِحَ بِقَوْلِهِ (كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) وَنَمِرٍ فِي السِّبَاعِ (وَبَازٍ وَشَاهِينِ) وَصَقْرٍ فِي الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُهُ فِي الْوَسِيطِ: فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ غَلَطٌ مَرْدُودٌ؛ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ هُمَا كَالْكَلْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَكُلُّ الْأَصْحَابِ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا هُنَا بِعَدِّ النَّمِرِ فِي السِّبَاعِ الَّتِي يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَا، وَقَالَا فِي كِتَابِ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ فِي نَمِرٍ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ، فَإِذَا كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ أَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ صَحَّ بَيْعُهُ (بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً) لِلْآيَةِ وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (بِأَنْ تَنْزَجِرَ) أَيْ تَقِفَ (جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا) فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَهُ (وَ) أَنْ (تَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ) أَيْ تَهِيجَ بِإِغْرَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " إذَا أَمَرْتَ الْكَلْبَ فَائْتَمَرَ وَإِذَا نَهَيْتَهُ فَانْتَهَى فَهُوَ كَلْبٌ مُكَلَّبٌ " حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ رِوَايَةِ يُونُسَ (وَ) أَنْ (يُمْسِكَ) أَيْ يَحْبِسَ (الصَّيْدَ) عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُخَلِّيَهُ يَذْهَبُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا يَدْفَعَهُ عَنْهُ (وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحَشْوَتِهِ وَأُذُنِهِ وَعَظْمِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ لَهُ أَوْ عَقِبَهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَمَنْعُهُ الصَّائِدَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْأَكْلِ مِنْهُ. أَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ قَتَلَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَعَادَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي تَنَاوُلِهِ الشَّعْرَ بِالْحِلِّ، إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ، وَفِيمَا ذُكِرَ تَذْكِيرُ الْجَارِحَةِ، وَسَيَأْتِي تَأْنِيثُهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى تَارَةً وَإِلَى اللَّفْظِ أُخْرَى.