كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّيْدِ]
ِ هُوَ: مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا، ثُمَّ أُطْلِقَ الصَّيْدُ عَلَى الْمَصِيدِ. قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ، وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَصْدَرًا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ الْجَوَارِحِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، وقَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَالْمُذَكَّى مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حِلِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ الذَّبَائِحَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّيْدِ عَكْسَ مَا فِي التَّرْجَمَةِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْكِتَابَ وَمَا بَعْدَهُ هُنَا وِفَاقًا لِلْمُزَنِيِّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهُ آخِرَ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ وَهُوَ أَنْسَبُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَنْسَبِيَّةِ أَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ اهـ.
وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ: ذَبْحٌ، وَذَابِحٌ، وَذَبِيحَةٌ، وَآلَةٌ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ. فَقَالَ (ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ) الْبَرِّيِّ الْمُفِيدَةُ لِحِلِّ أَكْلِهِ إنْسِيًّا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ وَحْشِيًّا تَأَنَّسَ تَحْصُلُ شَرْعًا بِطَرِيقَتَيْنِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ (بِذَبْحِهِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (فِي حَلْقٍ) وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ (أَوْ) فِي (لَبَّةٍ) وَهِيَ بِلَامٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: أَسْفَلُ الْعُنُقِ (إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَكَاتَهُ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، فَهُوَ مَعْنَى الذَّبْحِ وَذَالُهُمَا مُعْجَمَةٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ ذَبْحًا، وَيُخَالِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْإِبِلِ لَا يُسَمَّى ذَبْحًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالنَّحْرِ لَا تُنَافِي تَسْمِيَتَهُ ذَبْحًا، بَلْ تُسَمَّى نَحْرًا وَذَبْحًا، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَبِعَقْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (مُزْهِقٍ) لِلرُّوحِ (حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (كَانَ) الْعَقْرُ ذَكَاتَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْجَنِينُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ