وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَوْ يَنْقُضُوهَا بِتَصْرِيحٍ أَوْ قِتَالِنَا، أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا انْتَقَضَتْ جَازَتْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ، وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا، وَإِنْ أَنْكَرُوا بِاعْتِزَالِهِمْ أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ الْإِمَامِ، بَلْ لَوْ قَالَ مَتَى شَاءَ فُلَانٌ وَهُوَ مُسْلِمٌ عَدْلٌ ذُو رَأْيٍ صَحَّ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَا شَاءَ فُلَانٌ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ فَقَالَ (وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ) عَلَى عَاقِدِهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ (الْكَفُّ) وَدَفْعُ الْأَذَى مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَنْهُمْ) وَفَاءً بِالْعَهْدِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] أَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَلَا يَلْزَمُنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ وَلَا مَنْعُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ. نَعَمْ إنْ أَخَذَ الْحَرْبِيُّونَ مَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَظَفِرْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا اسْتِنْقَاذُهُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (حَتَّى تَنْقَضِيَ) مُدَّتُهَا (أَوْ يَنْقُضُوهَا) أَوْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ إذَا عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ إذَا عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] وَنَقْضُهُمْ لَهَا يَكُونُ مَعَ مَا مَرَّ آنِفًا (بِتَصْرِيحٍ) مِنْهُمْ (أَوْ قِتَالِنَا) حَيْثُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ. فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَلَا يُنْتَقَضُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ) أَيْ خَلَلٍ (لَنَا) وَقَوْلُهُ (أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ) يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا فِي دَارِنَا أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلَا يَنْحَصِرُ الِانْتِقَاضُ فِيمَا ذَكَرَهُ، بَلْ تُنْتَقَضُ بِأَشْيَاءَ أُخَرَ، مِنْهَا لَوْ سَبُّوا اللَّهَ تَعَالَى أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَا اُخْتُلِفَ فِي انْتِقَاضِ الذِّمَّةِ بِهِ تُنْتَقَضُ الْهُدْنَةُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ ضَعِيفَةٌ غَيْرُ مُتَأَكَّدَةٍ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ صَحَتْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ إنْذَارُهُمْ وَإِعْلَامُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ اغْتِيَالُهُمْ وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْعَقْدَ الثَّانِيَ فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ فَسَادٌ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَفْسَخْهُ، وَإِنْ كَانَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَسْخَهُ (وَإِذَا انْتَقَضَتْ) أَيْ الْهُدْنَةُ وَهُوَ بِبِلَادِهِمْ (جَازَتْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ. وَهُوَ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف: 97] فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، سَوَاءٌ أَعْلِمُوا أَنَّهُ نَاقِضٌ أَمْ لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُمْ صَارُوا حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْهُدْنَةِ. أَمَّا إذَا كَانُوا بِبِلَادِنَا فَلَا نُقَاتِلُهُمْ: بَلْ نُبْلِغُهُمْ الْمَأْمَنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ) الْهُدْنَةَ بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ (وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ) عَلَيْهِمْ (بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ) بِأَنْ سَكَتُوا وَلَمْ يَعْتَزِلُوهُمْ (انْتَقَضَ فِيهِمْ) أَيْ الْبَاقِينَ (أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ يُشْعِرُ بِالرِّضَا فَجُعِلَ نَقْضًا مِنْهُمْ كَمَا أَنَّ هُدْنَةَ الْبَعْضِ وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ هُدْنَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ نَقْضُهُ مِنْ بَعْضِهِمْ نَقْضًا مِنْ الْكُلِّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ الْهُدْنَةِ (وَإِنْ أَنْكَرُوا بِاعْتِزَالِهِمْ) عَنْهُمْ (أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ) أَيْ إعْلَامِ الْبَعْضِ الْمُنْكَرِينَ الْإِمَامَ (بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ،