وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ.
وَنَمْنَعُهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْكَفُّ عَنْ خُمُورِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَسَائِرِ مَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُظْهِرُوهُ بَيْنَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ، وَالْإِسْلَامُ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فَكَذَا الْجِزْيَةُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
(وَ) يَلْزَمُنَا (ضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا) أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ مِنَّا كَمَا يَضْمَنُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَنَفْسَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَظْهَرُوهُ أَمْ لَا، لَكِنْ مَنْ غَصَبَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ وَيَعْصَى بِإِتْلَافِهَا إلَّا إنْ أَظْهَرُوهَا، وَتُرَاقُ خَمْرُ مُسْلِمٍ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ وَقَبَضَهَا وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا بِإِخْرَاجِهَا إلَيْهِ، وَلَوْ قَضَى الذِّمِّيُّ دَيْنَ مُسْلِمٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي عَقِيدَتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ مَعَ الْعِلْمِ مَرْدُودٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نَفْسًا وَمَالًا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ الْكَفِّ وَحُذِفَا مِنْ قَوْلِهِ وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ، وَالتَّمْيِيزُ إذَا عُلِمَ جَازَ حَذْفُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفُّ وَضَمَانُ مِنْ تَنَازُعِ الْعَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّكَ إنْ أَعْمَلْتَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا أَضْمَرْتَ فِي الثَّانِي فَيَلْزَمُ وُقُوعُ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً، وَإِنْ أَعْمَلْتَ الثَّانِي لَزِمَ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُنَا اسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (وَ) يَلْزَمُنَا (دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ) وَغَيْرِهِمْ (عَنْهُمْ) إذَا كَانُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّبِّ عَنْ الدَّارِ، وَمَنْعِ الْكُفَّارِ مِنْ طُرُوقِهَا (وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ) بِجِوَارِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ (لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ) عَنْهُمْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ الذَّبُّ عَنَّا عِنْدَ طُرُوقِ الْعَدُوِّ لَنَا، وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ إنْ أَمْكَنَ إلْحَاقًا لَهُمْ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِصْمَةِ وَالصِّيَانَةِ. أَمَّا الْمُسْتَوْطِنُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ إذْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ، فَلَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ جَزْمًا إلَّا إنْ شُرِطَ الذَّبُّ عَنْهُمْ هُنَاكَ فَيَلْزَمُنَا وَفَاءً بِالشَّرْطِ. فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ عَنْهُمْ حَيْثُ لَزِمَنَا ذَلِكَ، فَلَا جِزْيَةَ لِمُدَّةِ عَدَمِ الدَّفْعِ. فَإِنْ ظَفِرَ الْإِمَامُ مِمَّنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا وَجَدَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا مَالَنَا.
(وَنَمْنَعُهُمْ) وُجُوبًا (إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ) وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ، وَبَيْتِ نَارٍ لِلْمَجُوسِ (فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْقَاهِرَةِ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرَبَ مِنْهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ كَتَبَ إلَيْهِمْ كِتَابًا " أَنَّهُمْ لَا يَبْنُونَ فِي بِلَادِهِمْ وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ " وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ