فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ.
وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ نُقِلَ، وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَّا نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ لِلْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إلَّا إلَيْهِ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ وَيُنْهِي إلَيْهِ، وَإِنَّ طَلَبَ مِنَّا الْمُنَاظَرَةَ لِيُسْلِمَ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ دُخُولِهِ إلَيْهِ بَيْنَ حَالِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِهِ الْحَرَمَ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ، فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصَدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى، أَوْ دُونَ الْمَقْصَدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى. قَاعِدَةٌ: كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْعِوَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى (وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ (نُقِلَ) مِنْهُ (وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) مِنْ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِدُخُولِهِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ مِنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ) فِيهِ (نُبِشَ وَأُخْرِجَ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ نَبْشِهِ إذَا لَمْ يَتَهَرَّ، فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ، وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ "، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقَدِمَ الْوَفْدُ عَلَيْهِ سَنَةَ عَشْرٍ وَفِيهِمْ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَنْزَلَهُمْ مَسْجِدَهُ وَنَاظَرَهُمْ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ (مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ) سَوَاءٌ خِيفَ مَعَ ذَلِكَ مَوْتُهُ أَمْ لَا (تُرِكَ) مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْظُمْ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (نُقِلَ) مُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الدَّارِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ) إلَى الْحِلِّ لِتَقَطُّعِهِ مَثَلًا (دُفِنَ هُنَاكَ) لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ لَمْ يُدْفَنْ هُنَاكَ، فَإِنْ دُفِنَ تُرِكَ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الذِّمِّيِّ. أَمَّا الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَلَا يُدْفَنُ فِيهِ، بَلْ تُغْرَى الْكِلَابُ عَلَى جِيفَتِهِ، فَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِ وَوُرِيَ كَالْجِيفَةِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْمَالُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ: (أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ) : عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ