وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ: يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَإِنْ رُئِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا وَلَمْ يُحَدَّا، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةً فِي نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودَةِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَيُسَنُّ لِلزَّانِي وَلِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ «مَنْ أَتَى مِنْ هَذِي الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
فَإِظْهَارُهَا لِيُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ، وَأَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُسَنُّ لَهُ سِتْرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا أَثِمَ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَتْلٍ أَوْ قَذْفٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَرِّبَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ التَّضْيِيقِ.
وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) بِالزِّنَا (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْهُ (سَقَطَ) الْحَدُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْحَدُّ لِمَا كَانَ لَهُ مَعْنًى، وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَمُوهُ قَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، لَكِنْ لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَيَضْمَنُ بِالدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِهَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ: كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ عَمَّا أَقْرَرْتُ بِهِ أَوْ مَا زَنَيْتُ أَوْ كُنْتُ فَاخَذْتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ فَكَمَّلَ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ فَمَاتَ بِذَلِكَ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ تُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى السِّيَاطِ؟ قَوْلَانِ: أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ زَائِدًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَقَرَّ بِزِنًا أَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا الرُّجُوعُ كَمَا يَسْتَتِرُ ابْتِدَاءً كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ.